مع سياسة الهجرة المشددة.. كيف يؤثر تحديد مدد الإقامة في الجامعات والحرية الصحفية؟
مع سياسة الهجرة المشددة.. كيف يؤثر تحديد مدد الإقامة في الجامعات والحرية الصحفية؟
تشهد الولايات المتحدة منذ عودة الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع عام 2025 تشديدًا ملاحظًا في سياسة التأشيرات والهجرة النظامية، امتدادًا للنهج الذي اتبعته إدارته الأولى بين عامي 2017 و2021. فقد فرضت الإدارة الجديدة قيودًا واسعة على منح تأشيرات التعليم والعمل والإقامة المؤقتة، إلى جانب تقليص مدد البقاء المسموح بها للطلاب والصحفيين والباحثين.
وتبرر واشنطن هذه الإجراءات بمخاوف أمنية وبحجة "حماية سوق العمل الأمريكي"، في حين يرى مراقبون ومنظمات حقوقية أنها امتداد لسياسة إقصائية تستهدف فئات محددة، ومنها الطلبة القادمون من دول بعينها مثل الصين والشرق الأوسط.
وتأتي هذه الإجراءات في سياق تاريخي متكرر، إذ عرفت الولايات المتحدة دورات متعاقبة من الانفتاح والتشدد في سياسات الهجرة، كان أبرزها ما بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 حين فُرضت قيود واسعة على التأشيرات وبرامج التبادل الأكاديمي.. واليوم، يتجدد الجدل داخليًا ودوليًا حول تأثير هذه السياسات في مكانة الجامعات الأمريكية، التي طالما اعتُبرت وجهة أولى للمواهب العالمية، وعلى صورة الولايات المتحدة بوصفها بلداً تأسس على الهجرة والانفتاح، وذلك بعدما أطلقت إدارة الرئيس دونالد ترامب اقتراحاً تنظيمياً يقضي بإلغاء سياسة "المدة وفق الوضع" الحالية لعدد من فئات التأشيرات غير المهاجرة، واستبدالها بفترات إقامة محددة، وبموجب النص المقترح، سيكون الحد الأقصى لإقامة الطلاب الحاملين لتأشيرات F وJ مرتبطاً بطول البرنامج التعليمي لكنه لا يتجاوز أربع سنوات، وتقصر إقامات الصحفيين الحاملين تأشيرات I إلى 240 يوماً (مع تجديد مماثل محتمل)، واستُثني الصحفيون الصينيون بحد أقصى مقداره 90 يوماً.
وزارة الأمن الداخلي برّرت خطوة الحدّ من مدد الإقامة بأنها تهدف إلى معالجة حالات إساءة استخدام التأشيرات، ومنع ما وصفته بظاهرة بقاء البعض طلاباً إلى أجل غير مسمّى، وتخفيف أعباء الرقابة الأمنية والمالية على الجهات الحكومية، ويشير بيان الوزارة إلى أن الأنظمة السابقة سمحت ببقاء أطول من اللازم من دون مراجعة منتظمة، وأن التغيير ينسجم مع ممارسات فئات تأشيرات أخرى ذات مدد محددة.
ردود الفعل المؤسساتية والقانونية
الردود على الاقتراح جاءت سريعة وحادة من قطاعات التعليم العالي ومنظمات حرية الصحافة، حيث اعتبرت جمعيات رئيسية، مثل تحالف رؤساء الجامعات والهيئات التمثيلية للجامعات، القيود بمنزلة عقبة بيروقراطية قد تثني طلاباً مميزين عن اختيار الولايات المتحدة، وتضرّ بقدرة المؤسسات على جذب المواهب والتمويل البحثي، وتتابع منظمة NAFSA المعنية بالتبادل التعليمي النص وتدعو إلى مزيد من الشرح والتعديلات.
منظمات المجتمع المدني وحرية الصحافة حذّرت من أثر مماثل على العمل الصحفي المستقل داخل الولايات المتحدة، وأبدت لجان ومنظمات مهنية خشيتها من خلق تأشيرات مؤقتة جداً تقوّض قدرة المراسلين على التحقيق والبحث، وتضاعف مخاطر الطرد الانتقائي على أساس التغطية الصحفية، ودعت منظمات، مثل لجنة حماية الصحفيين، ولجنة المراسلين من أجل حرية الصحافة، ومراسلون بلا حدود، الإدارة الأمريكية إلى إسقاط المقترح أو إعادة صياغة البنود المتعلقة بتأشيرات الإعلام.
أرقام ميدانية
الولايات المتحدة استضافت رقماً قياسياً من الطلاب الأجانب في العام الدراسي 2023-2024، بلغ نحو 1.13 مليون طالب، وأسهم هؤلاء بمليارات الدولارات في الاقتصاد المحلي وحافظوا على شبكة واسعة من التجارب البحثية والتعليمية. التقرير السنوي لـمنظمة “Open Doors” يشير إلى أن إنفاق الطلاب الدوليين يقدر بعشرات المليارات سنوياً، وفي وقت سابق من العام أبلغت الحكومة عن سحب أو إلغاء آلاف من تأشيرات الطلاب (أكثر من 6,000 حالة أُبلغ عنها هذا العام)، ما زاد من حالة القلق وعدم اليقين في الحرم الجامعي.
التداعيات الأكاديمية والبحثية
تحديد مدد إدارية قسرية يعني مراجعات متكررة، وإجراءات تجديد وإعادة فحص أمني متزايدة، وتأخيرات قد تقطع مسارات بحثية طويلة أو برامج دراسية متتابعة يعيشها الطلاب الدوليون، وتشمل النتيجة المحتملة تراجعاً في الطلب على الجامعات الأمريكية، وخسارة إيرادات، وتأثيراً في برامج البحث العلمي حيث يعتمد الكثير من المختبرات والمشروعات على طلاب دوليين ومرحلة ما بعد الدكتوراه، وتحذر جهات تعليمية من أن أي انخفاض بنسبة صغيرة في أعداد الطلبة الدوليين يمكن أن يؤثر في الوظائف والميزانيات المحلية.
تداعيات على حرية التعبير والعمل الصحفي
لصحفيي الخارج العاملين داخل الولايات المتحدة دور مزدوج من خلال تغطية قضايا أمريكية ودولية، والعمل ضمن شبكات إعلامية تستفيد من استقرار نسبي للسفر والإقامة، وتحديد مدد تراخيص العمل الصحفي إلى فترات قصيرة قد يدفع بعض المؤسسات إلى إعادة النظر في إرسال مراسلين أو تقصير مهماتهم، كما يخلق بيئة تخاطر بالرقابة غير المباشرة عبر الترهيب القانوني وإمكانية عدم التجديد عقوبة على تغطية تعدها الجهات الحكومية مشكلة، وربطت منظمات مهنية السياسة باحتمال زعزعة حرية الإعلام في الداخل.
الإطار القانوني وإمكانات الطعن
تم نشر الاقتراح وفق إجراءات الحكم التنفيذي والتنظيمي، ويخضع لقواعد قانون الإجراءات الإدارية (APA) وفترة تعليق عامة تليها مرحلة مراجعة التعليقات، ويتوقع محامون ومتخصصون رفع طعون قضائية إذا ما أقرّت النسخة النهائية، استناداً إلى حجج دستورية وإجرائية، وادعاءات بانتهاك حقوق حرية التعبير أو التعسف الإداري، وتجدر الإشارة إلى أن الإدارات السابقة طرحت مقترحات مماثلة في 2020 قبل أن تُسحب لاحقاً، ما يجعل مسار التشريع والرد القضائي أمراً مألوفاً.
على صعيد القانون الدولي، تلتزم الولايات المتحدة باتفاقات ومبادئ تحمي حرية التعبير والتعليم كمصادر قيمة للنسيج المجتمعي، وينطبق على ذلك عدد من المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، كما أن ممارسات الحظر، أو التقييد الواسع على دخول الباحثين أو الصحفيين، قد تثير قلق شركاء دوليين ومسائل دبلوماسية تتعلق بالمعاملة بالمثل. في المقابل، تحفظ السلطات الأمريكية لنفسها سلطات واسعة لمعالجة قضايا الأمن والتهديدات المحتملة بموجب قانون الهجرة.
مسارات محتملة وحلول فنية
المسارات العملية تبدو متعددة، منها على سبيل المثال تعديل النص النهائي ليتضمن استثناءات ميدانية للشركات البحثية والمشروعات الأكاديمية طويلة الأجل، وتحديد آليات تسريع للتجديد، وضمان معايير شفافة للطعن الإداري، والالتزام بفترات تعليق معقولة لحماية الطلاب والصحفيين أثناء انتقالهم، وسيكون البرلمان والجهات المختصة بالسياسة الهجرية ومؤسسات التعليم العالي جهات رئيسية في المطالبة بتعديلات عملية خلال مرحلة التعليق العام.
الاقتراح الإداري الأخير يمثل قفزة نوعية في تشديد قواعد التأشيرات للطلاب والصحفيين، وحجج الإدارة تتمحور حول الأمن والرقابة الإدارية، في حين أن مؤسسات وقطاعات التعليم وحرية الصحافة تبرز المخاطر الاقتصادية والمعرفية والأخلاقية، ويتوقع أن تشهد الفترة القادمة معركة إجرائية بين مراجعات عامة وبتّ قضائي محتمل، وستكون نتيجة هذا الجدل مفتوحة أمام تأثيرات طويلة الأمد على مكانة الولايات المتحدة كونها وجهة للطلاب والباحثين والصحفيين من حول العالم.